الخميس، 31 يناير 2013

يوميات فتاة من الشرق







يوميـــــــــــــــــــــــــــــــات فتــــــــــــــــاة من الشـــــــــــــــرق 



كان صباح اليوم حزين يرسم ذلك الحزن على شوارع مدينتي وأثار الأمطار بالأمس ماتزال على الإرصفة وعلى جدران البيوت
ماأصعب وقع الرحيل..وماأقساه علينا في وداع من أعتدناهم بيننا حفظنا ملامحهم وأصواتهم ترن كالأجراس في ذاكرتنا ,ضحكاتهم ,حكاياتهم  أفرحت قلوبنا وأدخلت لأرواحنا الدفء والسكينة .
في وقت الرحيل تمضي الأشياء وكأنها ماكانت يوماً ,تمر السنين وكأنها لحظات مرت في غفوة أو كساحبة صيف عابرة .
ممر الدراسات الذي يقع فيه معملي الصغير خاويـــــــاً , ماعادت وقع الخطوات تُسمع كالسابق ..وجدرانه تحاكي الصمت وكأنها ماحادثت صدى أصواتهم ولا رددت ضحكاتهم ولا سمعت في يوم أنين شكواهم من الصعوبات ومن فشل تجاربهم أو أصوات الفرح بإجتياز الأختبارات بنجاح .
الممر من فترة كان يعج بهم والأن أصبح فارغاً من كانوا قبلنا رحلوا والبقية سيرحلون قريباً .
حادثت نفسي وأنا منكبة على مجهري أتفحص عينة معملية  تحوى كائنات  غريبة تسبح في نقطة صغيرة بالنسبة لي و لها هي عالمها الكبير
عالم في ولادة وحياة تراها في إنقسام كائن صغير ونشؤ فرد جديد
وكائن يموت ببطء..عالم تراه تحت عدسة مكبرة الأف الأف المرات
صراع من أجل البقاء ..تألف ..وانسجام التهام واحتواء بداية ونهاية
وأنـــــــــــا مابين ذلك مبهورة ..وصدى التسابيح الخفية بداخلي لخالقها وخالقي تتردد لعلها تنجيني يوماً وتُسجل في صحيفتي ثواب وحسنات .
تعبت عيناي من ضوء المجهر القوي والتركيز على كل الحركات لتلك الكائنات ..أخذت قسطاً من الراحة مع فنجان قهوة ساخنة ليعيد لي تركيزي ويبعث الدفء في أوصالي التي أرهقها البرد .
توجهت لنافذتي التي تطل على ساحة الكلية خرجت من عالم صغير لعالم أكبر أراه عبر زجاج نافذة  ماتزال أثار الأمطار عليها .
أصوات , وصخب ,ضجيج , ضحكات ..كلمات تقال مفهومة وأخرى مبهمة بعيدة ,بحر من البشر و وزحام من السيارات مركونة في موقف
ضيق ...وأشخاص تلتقي تتصافح وتسأل عن الأخبار وتمضي ..
وأخرين يطول بهم المقام أسفل نافذتي ويكون الحديث له شجن , شكوى ,تذمر ويُختم بضحكات تقول شر البلية مايضحك .
وحكايات أخرى تدور خلف أسوار الجامعة ..بوادر قصة حب أشتم أريجها هناك بين أعجاب فسلام فكلام فتبادر كراسات المحاضرات ورسائل تُكتب مابين سطور المحاضرات ووجوه مكرره ارأها كل صباح معاً تكثر تلك الحالات بين المستجدين ..عالم وتجربة جديدة وشخصيات مختلفة لا وجود لقيود المدرسة تعيقهم ولا مدير ولا مدرسين يراقبونهم وإنما شعورهم بأنهم يعيشون حرية جديدة ويغيب عن بعضهم أن الحرية لها قواعد وضوابط يجب أن تحترم ولا تنتهك  ولا يُغتال بأسمها الأدب وأحترام المجتمع بطريقة بشعة أراهم في بعضهم .
أبتسمت لنفسي ..يبدو أن غرقي في مجهري الغزيز جعلني أركز في التفاصيل الصغيرة وأحلل بدقة وأنا أراقب من نافذتي
شاهدت تلك التي تبتسم خجلاً وأعجاباً بذلك الذي يستعرض معها مهارته في الحديث الشيق راجياً أن ينال أعجابها بخفة ظله
وأخر يحاكيها بلطف وهي تستمع بكل حواسها يبدو لي أن في الأمر جدية ما ..سألت نفسي أيهما ستبدأ معهما حكاية ويستمران ويكملان معاً مشوار الدراسة ومابعد الدراسة ..أم ستتقطع بهم السبل ويصابان بنكسة ويرحل كلاً منهم في طريق  وينسيان ماكان .
وفي الجهة المقابلة نقيضاً لهما ..هو يتحدث يلومها على شيئاً ما وهي تبكي في صمت وملاحمها تتحدث بالكثير حزينة هي .. ياله من أبله قلتها في نفسي غبي ألا يرى ذلك الحب في عينها له ألا يرى قلبها المكسور هي تحبه وهو يقسو عليها ..متشبته بأمل ضئيل معلق أراه في وهم كبير هكذا شعرت ...فعلاً مسكينة .
وأخرى كحل عينيها زادها دهاءً ومكراً وواضح من إنجذابه لها وإنصاته لها وكأنه مسحوراً مبهوراً بها..... أه ياأدم وقعت في شِرك حواء
بداخلي كنت أضحك وأنا أتامل وأحلل الصور التي أراها وكأنني شارلك هولمز ..
ونظرت للبعيد للمباني المقابلة كم من حكايات أغرب تدور خلف أروقتها وخلف نوافذها معارك خفية وتحالفات  بين الموظفين
وماتزال الأصوات تُسمع من بعيد أصوات منهمكة في جدال لحل سؤال صعب سريعاً قبل الأمتحان بساعة ..وأخرى تناقش .. و ضحكات مستهترة ومعاكسات تدور هنا وهناك بطريقة خجلة وأخرى وقحة
وموسيقي يعج بها موقف السيارات .
وانا مابين هذان العالمان أقف صامتة مسبحة لخالقهما
عالم بشري به الحب والكره والصراع ..ومشاعر تُقراء من العيون ونبرات الأصوات وأحاسيس  نشعر بنسماتها حولنا وبعواصفها أحياناً تدور ليولد الصراع .
وعالم كائنات اخرى لاتعرف الحب والكره خُلقت وفق ألية تتألف بها سر من أسرار الإله لتوازن الكون .
أبتسمت مرة أخرى وأخبرت نفسي أليس من حقي أن أفصل بين هذين العالمين ولو قليلاً
أليس من حقي أن أخلق فسحة صغيرة لي وأركب مركبي الورقي وأجدف بقلمي ببحر الكلمات وأذوب فيه تماماً كقرص الشمس في لحظات غروبها
أذوب في عالم البوح الذي أحبه
وفي تلك اللحظة تذكرت صديقاً لي  ..كانت نصيحته لي أن أغادر عالمي الوهمي الحالم  وأفتح باب غرفتي الموصد وعالم الروايات التي سحرتني
ويقول لي أهلاً بكِ في عالم الواقع ..وأخبرني أني قد أحتاج لطبيب نفسي ليساعدني في التخلص من عالم الخيال .
ربما أنا خيالية وأبتعد قليلاً عن شواطئ واقعنا ..ولكن الخيال عالم   طفولي مزمن يقولون في علم النفس أنه وقود الأبداع وجنون الفنون
صديقي العزيز أنه  يُخرج أجمل مافينا وقد يخلق لنا أملاً صغيراً بداخلنا عندما نتألم بأن الغد سيكون رائع وأننا سنكون بخير
ومع كل تعثر في الحياة أنزوي قليلاً ليعيد لي أتزاني وقد يرمم داخلنا لنقف من جديد ..
أصدقك القول عندما تزداد جرعته  قد أتخطى خطوطاً وأتعدى حدوداً كان يجب ان أقف عندها قد تكون تلك هي لحظة الغفلة ..ولكن ثق بإن الحياة تعطينا ضربات مؤثرة مؤلمة ولكنها علاجية
صديقي لا تقلق مهارة الفصل مابين عالمين أتقنه سأفصل ما بين عالمي الخيالي والواقعي فقط عندما أكمل وضع الكلمة الأخيرة ونقطة في أخر السطر وأغلق دفتري .
والأن بعد الفاصل أعود لمجهري لأنهي عملي الروتيني لأعود لمنزلي مبكرا ً